سورة البقرة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً}، في قوله: {وَإِذْ} وجهان:
أحدهما: أنه صلة زائدة، وتقدير الكلام: وقال ربك للملائكة، وهذا قول أبي عبيدة، واستشهد بقول الأسود بن يعفر:
فَإِذَا وَذلِكَ لاَ مَهَاةَ لذِكْرِهِ *** وَالدَّهْرُ يَعْقُبُ صَالِحاً بِفَسَادِ
والوجه الثاني: أن (إذ) كلمة مقصورة، وليست بصلة زائدة، وفيها لأهل التأويل قولان:
أحدهما: أن الله تعالى لما ذكَّر خلقه نِعَمَهُ عليهم بما خلقه لهم في الأرض، ذكّرهم نِعَمَهُ على أبيهم آدَمَ {إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، وهذا قول المفضَّل.
والثاني: أن الله تعالى ذكر ابتداء الخلق فكأنه قال: وابتدأ خلقكم {إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}، وهذا من المحذوف الذي دَلَّ عليه الكلام، كما قال النمر بن تَوْلَبَ :
فَإِنَّ الْمَنَّيةَ مَنْ يَخْشَهَا *** فَسَوفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا
يريد: أينما ذهب.
فأما الملائكة فجمع مَلَكٍ، وهو مأخوذ من الرسالة، يقال: ألِكِني إليها أي أرسلني إليها، قال الهذلي:
ألِكْنِي وَخَيْرُ الرَّسُو *** لِ أَعْلَمُهُمْ بنواحِي الخَبَرْ
والألوك الرِّسالة، قال لبيد بن ربيعة:
وَغُلاَمٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ *** بأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَألْ
وإنما سميت الرسالة ألوكاً لأنها تُؤْلك في الفم، والفرس يألك اللجام ويعلكه، بمعنى يمضغ الحديد بفمه.
والملائكة أفضل الحيوان وأعقل الخلق، إلا أنهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون، ولا يتناسلون، وهم رسل الله، لا يعصونه في صغير ولا كبير، ولهم أجسام لطيفة لا يُرَوْنَ إلا إذا قوَّى الله أبصارنا على رؤيتهم.
وقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً} اختلف في معنى {جاعل} على وجهين:
أحدهما: أنه بمعنى خالق.
والثاني: بمعنى جاعل، لأن حقيقة الجَعْل فِعْلُ الشيء على صفةٍ، وحقيقة الإحداث إيجاد الشيء بعد العدم.
و {الأرض} قيل: إنها مكة، وروى ابن سابط، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دُحِيَت الأرضُ من مكةَ» ولذلك سميت أم القرى، قال: وقبر نوح، وهود، وصالح، وشعيب بن زمزم، والركن، والمقام.
وأما (الخليفة) فهو القائم مقام غيره، من قولهم: خَلَفَ فلانٌ فلاناً، والخَلَفُ بتحريك اللام من الصالحين، والخَلْفُ بتسكينها من الطالحين، وفي التنزيل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59]، وفي الحديث: «ينقل هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عُدُولُهُ». وفي خلافة آدم وذريته ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كان في الأرض الجِنُّ، فأفسدوا فيها، سفكوا الدماء، فأُهْلِكوا، فَجُعِل آدم وذريته بدلهم، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: أنه أراد قوماً يَخْلُفُ بعضهم بعضاً من ولد آدم، الذين يخلفون أباهم آدم في إقامة الحق وعمارة الأرض، وهذا قول الحسن البصري.
والثالث: أنه أراد: جاعل في الأرض خليفةً يخْلُفُني في الحكم بين خلقي، وهو آدم، ومن قام مقامه من ولده، وهذا قول ابن مسعود.
قوله عز وجل: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مِنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، وهذا جواب من الملائكة حين أخبرهم، أنه جاعل في الأرض خليفةً، واختلفوا في جوابهم هذا، هل هو على طريق الاستفهام أو على طريق الإيجاب؟ على وجهين:
أحدهما: أنهم قالوه استفهماً واستخباراً حين قال لهم: إني جاعلٌ في الأرض خليفة، فقالوا: يا ربنا أَعْلِمْنَا، أجاعل أنت في الأرض من يُفْسِدُ فيها ويسفك الدماء؟ فأجابهم: إني أعلم ما لا تعلمون، ولم يخبرهم.
والثاني: أنه إيجاب، وإن خرجت الألف مَخْرج الاستفهام، كما قال جرير:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايا *** وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
وعلى هذا الوجه في جوابهم بذلك قولان:
أحدهما: أنهم قالوه ظناً وتوهُّماً، لأنهم رأوا الجن من قبلهم، قد أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فتصوروا أنه إن استخلف استخلف في الأرض مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماء.
وفي جوابهم بهذا وجهان:
أحدهما: أنهم قالوه استعظاماً لفعلهم، أي كيف يفسدون فيها، ويسفكون الدماء، وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال: إني أعلم ما لا تعلمون.
والثاني: أنهم قالوه تعجباً من استخلافه لهم أي كيف تستخلفهم في الأرض وقد علمت أنهم يفسدون فيها ويسفكون الدماء فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون}.
وقوله: {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} السفك صب الدم خاصةً دون غَيْرِهِ من الماء والمائع، والسفح مثله، إلا أنه مستعمل في كل مائع على وجه التضييع، ولذلك قالوا في الزنى: إنه سفاح لتضييع مائه فيه.
قوله عز وجل: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.
والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على جهة التعظيم، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ *** سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاجِرِ
أي براءةً من علقمة.
ولا يجوز أن يسبَّحَ عَيْرُ اللهِ، وإن كان منزهاً، لأنه صار علَماً في الدين على أعلى مراتب التعظيم الَّتي لا يستحقها إلا اللهُ تعالى.
وفي المراد بقولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أربعة أقاويل:
أحدها: معناه نصلي لك، وفي التنزيل: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143]، أي من المصلين، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني: معناه نعظِّمك، وهذا قول مجاهد.
والثالث: أنه التسبيح المعروف، وهذا قول المفضل، واستشهد بقول جرير:
قَبَّحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا *** سَبَّحَ الْحَجِيجُ وَكَبَّرُوا إهْلاَلاَ
وأما قوله: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} فأصل التقديس التطهير، ومنه قوله تعالى: {الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} أي المطهَّرة، وقال الشاعر:
فَأَدْرَكْنَهُ يَأْخُذْنَ بالسَّاقِ وَالنَّسَا *** كَمَا شَبْرَقَ الْوِلْدَانُ ثَوْبَ الْمُقَدَّسِ
أي المطهَّر.
وفي المراد بقولهم: {وَنُقَدِّسُ لَكَ} ثلاثةُ أقاويلَ:
أحدها: أنه الصلاة.
والثاني: تطهيره من الأدناس.
والثالث: التقديس المعروف.
وفي قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُونَ} ثلاثةُ أقاويل:
أحدها: أراد ما أضمره إبليس من الاستكبار والمعصية فيما أُمِرُوا به من السجود لآدم، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود.
والثاني: مَنْ في ذرية آدم في الأنبياء والرُّسُلِ الذين يُصْلِحُونَ في الأرض ولا يفسدون، وهذا قول قتادة.
والثالث: ما اختص بعلمه من تدبير المصالح.


قوله عز وجل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} في تسميته بآدم قولان:
أحدهما: أنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وأديمها هو وجهها الظاهر، وهذا قول ابن عباس، وقد رَوَى أبو موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ، قَبَضَها مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَسوَدُ، وَالأبْيَضُ، وَالسَهْلُ، وَالخَبِيْثُ، وَالطَّيِّبُ».
والثاني: أنه مأخوذ من الأدمة، وهي اللون.
وفي الأسماء التي علَّمها الله تعالى آدَمَ، ثلاثة أقْوَالٍ: أحدها: أسماء الملائكة.
والثاني: أسماء ذريته.
والثالث: أسماء جميع الأشياء، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، ومجاهد.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أن التعليم إنما كان مقصوراً على الاسم دون المعنى.
والثاني: أنه علمه الأسماء ومعانيها، إذ لا فائدة في علم الأسماء بلا معاني، فتكون المعاني هي المقصودة، والأسماءُ دلائل عليها.
وإذا قيل بالوجه الأول، أن التعليم إنما كان مقصوراً على ألفاظ الأسماء دون معانيها، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه علمه إياها باللغة، التي كان يتكلم بها.
والثاني: أنه علمه بجميع اللغات، وعلمها آدمُ ولده، فلما تفرقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وأَلِفُوه، ثم نسوا غيره فتطاول الزمن، وزعم قوم أنهم أصبحوا وكل منهم يتكلمون بلغةٍ قد نسوا غيرها في ليلة واحِدةٍ، ومثل هذا في العُرْفِ ممتنع.
قوله عز وجلَّ: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ على الْمَلاَئِكَةِ} وفيما عرضه عليهم قولان:
أحدهما: أنه عرض عليهم الأسماء دون المسميات.
والثاني: أنه عرض عليهم المُسَمَّيْنَ بها.
وفي حرف ابن مسعود: {وَعَرَضَهُنَّ} وفي حرف أُبَيٍّ: {وَعَرَضَهَا} فكان الأصح توجه العرض إلى المُسَمًّيْنَ.
ثم في زمان عرْضِهِم قولان:
أحدهما: أنه عرضهم بعد أن خلقهم.
والثاني: أنه صورهم لقلوب الملائكة، ثم عرضهم قبل خلقهم.
{فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ومعنى أنبئوني خبروني مأخوذ من الإنباء، وفي الإنباء قولان:
أَظْهَرُهُمَا: أنه الإخبار، والنبأ الخبر، والنبيء بالهمز مشتق من هذا.
والثاني: أن الإنباء الإعلام، وإنما يستعمل في الإخبار مجازاً.
وقوله: {بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ} يعني الأسماءَ الَّتي علمها آدم. وفي قوله تعالى: {إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ستة أقاويل:
أحدها: إن كنتم صادقين أني لا أخلق خَلْقاً إلا كنتم أعلم منه؛ لأنه هجس في نفوسهم أنهم أعلم من غيرهم.
والثاني: إن كنتم صادقين فيما زعمتم أن خُلَفَائي يفسدون في الأرض.
والثالث: إن كنتم صادقين أني إنِ استخلفتكم فيها سبَّحْتموني وقَدَّسْتُمُوني، فإن استخلفت غيركم فيها عصاني.
والرابع: إن كنتم صادقين فيما وقع في نفوسكم، أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منه.
والخامس: معنى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي عالمين.
والسادس: أن معناه إن كنتم صادقين.
قوله عز وجل: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} العليم: هو العالم من غير تعليم، وفي {الحكيم} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه المُحْكِمُ لأفعاله.
والثاني: أنه المانع من الفساد، ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام، لأنها تمنع الفرس من الجري الشديد، وقال جرير:
أبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ *** إِنِّي أخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أغْضَبَا
أي امنعوهم.
والثالث: أنه المُصِيبُ للحقِّ، ومنه سمي القاضي حاكماً، لأنه يصيب الحق في قضائه، وهذا قول أبي العباس المبرد.
قوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}: {مَا تُبْدُونَ} هو قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، وفي {مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قولان:
أحدهما: ما أسرَّه إبليس من الكبر والعصيان، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني: أن الذي كتموه: ما أضمروه في أنفسهم أن الله تعالى لا يخلق خلقاً إلاَّ كانوا أكرمَ عليه منه، وهو قول الحسن البصري.


وقوله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ}.
واختلف أهل التأويل في أمره الملائكة بالسجود لآدم، على قولين:
أحدهما: أنه أمرهم بالسجود له تَكْرِمَةً وَتَعْظِيماً لشأنِهِ.
والثاني: أَنَّهُ جعله قِبْلَةً لهم، فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم، وفيه ضرب من التعظيم.
وأصل السجود الخضوع والتطامن، قال الشاعر:
بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ *** تَرَى الأَكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ
وسمى سجود الصلاة سجوداً، لما فيه من الخضوع والتطامن، فسجد الملائكة لآدم طاعةً لأمر الله تعالى إلا إبليس أَبَى أن يسجُدَ له حَسَداً واستكباراً.
واختلفوا في إبليس، هل كان من الملائكة أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه كان من الملائكة، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، وابن جريج، لأنه استثناء منهم، فَدَلَّ على دخوله منهم.
والثاني: أنه ليس من الملائكة، وإنما هو أبو الجن، كما أن آدم أبو الإنس، وهذا قول الحسن وقتادة وابن زيد، ولا يمتنع جواز الاستثناء من غير جنسه، كما قال تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتَّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] وهذا استثناء منقطع.
واختُلِفَ في تَسْمِيتِهِ بإبليس على قولين:
أحدهما: أنه اسم أعجمي وليس بمشتقٍّ.
والثاني: أنه اسمُ اشتقاق، اشتُقَّ من الإبلاس وهو اليأس من الخَيْرِ، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] أي آيِسُونَ من الخير، وقال العجَّاجُ:
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَساً *** قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَأَبْلَسَا
فأمَّا من ذهب إلى أن إبليس كان من الملائكة، فاختلفوا في قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كان مِنَ الْجِنِّ} [50 الكهف] لِمَ سماه الله تعالى بهذا الاسم، على أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم حي من الملائكة يُسَمَّوْن جنّاً كانوا من أشدِّ الملائكة اجتهاداً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: أنه جعل من الجنِّ، لأنه من خُزَّانِ الجنَّةِ، فاشتق اسمه منها، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث: أنه سمي بذلك لأنه جُنَّ عن طاعة ربِّه، وهذا قول ابن زيدٍ.
والرابع: أن الجِنِّ لكلِّ ما اجْتَنَّ فلم يظهر، حتى إنهم سَمَّوُا الملائكة جناً لاستتارهم، وهذا قول أبي إسحاق، وأنشد قول أعشى بني ثعلبة:
لَوْ كَانَ حَيٌّ خَالِد أَوْ مُعَمَّراً *** لَكَانَ سُلَيْمَان البري مِنَ الدَّهْرِ
بَرَاهُ إلهي وَاصْطَفَاهُ عِبَادُهُ *** وَمَلَّكَهُ ما بَيْنَ نُوبَا إلى مِصْرِ
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الْمَلاَئِكِ تِسْعَةً *** قِيَاماً لَدَيْهِ يعْمَلُونَ بِلاَ أَجْرِ
فسمَّى الملائكة جناً لاستتارهم.
وفي قوله تعالى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} ثلاثةُ أَقَاوِيلَ:
أحدها: أنه قد كان قبله قوم كفار، كان إبليس منهم.
والثاني: أن معناه: وصار من الكافرين.
والثالث: وهو قول الحسن: انه كان من الكافرين، وليس قبله كافرا، كما كان من الجنِّ، وليس قبله جِنٌّ، وكما تقول: كان آدم من الإنس، وليس قبله إنسيٌّ.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11